أيا صوفيا!
أظن أن المواجهة الكبرى التي سيواجهها حتمًا جيل الألفية الحالية خلال الفترة الطويلة المقبلة، هي التنصل. و قد يحمل هذا التنصل أسماءً ليبرالية مختلفة تجمل من شكله القبيح وهدفه الأدنى.
مع بداية الشرارات التي اشتعلت على العالم الإفتراضي بعد تمكن أغلبية البشر، فقيرهم وغنيهم، جاهلهم ومثقفهم من الولوج إليه بسهولة. حتى أصبح العالم كما يقول الكليشيه: "قرية صغيرة"، فكان التأثر حتمي بالضرورة. فأصبح مراهقو العالم العربي ولا سيما في مصر قادرين على الإطلاع والتأثر المباشر بالعادات الغربية التي تصورها لنا "عقدة الخواجة" على أنها المثلى.
فيتبين للفرد، الذي ولد في أرض مسلوبة القوى والهوية، أنه على خطأ ليس لشئ أكثر من أنه دائمًا في موقف الضعيف المقهور، بينما بنو سنه من أبناء العالم الغربي المتفتح المستنير يعيشون في بيئات نظيفة متحضرة تسمع لصغيرهم قبل كبيرهم. فولدت هذه الرؤية شعور بالدونية ما لبث إلا توغل في صميم الوعي الجمعي للأمة كلها.
وبالرغم مع إيمان الشباب الموروث بأن الإسلام دين الحق، إلا أن التوجه والتأثر المقحف بالثقافة الغربية، بالإضافة إلى تصرفات بعض المسلمين المناوئة للتعاليم والأحكام الصحيحة، جعلت الإسلام مشكوك في أمره لدى كثير من الشباب، وأخذوا يرتابون في سداده وحصافته، فأنفوا من تعاليمه وإن كانت بديهية مسلم بها، وأضحت السنة هي اتباع الثقافة الغربية أو الاعتراف بها أو التعاطف معها.
فبهذا، وبدلًا من أن ينكروا الإسلام جملة، بدأنا في انتقائه وتنقيحه. هذا مرادف لفعل الغرب، فهو سليم. هذا مغاير فيجب طمسه. فصرنا ننكر على المسلمين الحلال، ونبيح لغيرهم الحرام بدعوى التحرر.
يفتح المسلمون البلدان بالحق، فهو استيلاء. يغزو الأمريكان البلدان للنفط، فهو تحرير.
مسلمة ترتدي حجابًا -الذي بأضعف تقدير يعطي لها لونًا من ألوان التفرد والهوية، يعدونه رجعية، بينما نساء يمشين عاريات لا تسترهن ورقة توت في ضواحي لاس فيجاس، فهو التحرر والسمو.
فأكم من مئذنة بدلت أهلتها بأجراس في هذا العالم، ولم يلتفت أحد علي الإطلاق، ولكن إن اعتلاها هلال مرة أخرى، أصبح جرمًا معاد للإنسانية فيصرح الروس بأن الأتراك لم يستجيبوا لمخاوفنا.
ربما يكون الأفضل أن تظل "آيا صوفيا" رمزًا حضاريًا إنسانيًا، يجتمع فيه اسم الله والنبي وعلى حوائطه جداريات المسيح والعذراء مريم، فيرى الناس حاضرها ولا ينسوها تاريخها، وتظل سمة لسلام قادم. ولكن لما تتحول إلى مسجد من الأساس؟ ببساطة، لأنها بلادهم، ولأن المسجد على أرضهم وهم أحرار.
ربما علينا إعادة النظر في ثقافتنا مرة أخرى، قبل أن نطوي عليها الغلاف ونتنصل منها بالجملة، نعيد البحث في الأسباب ودواعي الإيمان، ولا ننكر على الناس دينهم، فالحلال بين والحرام بين.

تعليقات
إرسال تعليق