صديقي.
كنا دائمًا معًا ، نلهو معًا و نخرج معًا ، ونمشي في الجوار سويًا.. كنا لا ننفصل، أينما يذهب كنت معه .. جئت له في عيده الثالث، لازلت أتذكر عينيه ولآلئ البهجة تلمع فيهما ، عندما إمتدت يداه وأمسك بي وقربني إليه ، فأصبح لا يفارقني ، كنت معه عندما يلهو ويلعب ، كان يشاركني مثلجاته وطعامه رغم نهر أمه إياه حين يفعل هكذا فعلة ، كنت أنبهر به دائمًآ يعجبني كثرة أسئلته وطلباته ، رغبته في التطلع و البحث ، كان لايوجد شئ يقع في يديه إلا وجربه أو جرب فيه شيئًا، كان غالبًا مايخربه ولكن بأقل تقدير قد عرف ماهيته .
في يوم من الأيام عاد من مدرسته وقد رسب في إحدى الإختبارات ، فغضبت منه أمه وصرخت بوجهه كثيرًا ، كنت ألهث وأنبح كلما همت بضربه أو بالغت في الصياح، كان لا حول لي معها ، وبعد أن إنتهت قررت بأن تحول بينه وبيني إسبوعًآ كاملًا عقابًا له ، ولكن لماذا تعاقبني أنا؟ ، أنا لم أرتكب خطأ ، أي خطأ ، لكي تعاقبني بإبعادي عنه .. كان إسبوعًا رتيبًا ، ضاع فيه صوتي من كثرة النباح ، لم أطعم فيه إلا القليل .. في يوم من أيام هذا الإسبوع البغيض ذهبت ليلًآ بعد أن نامت الأم ، ووقفت أمام بابه آقرعه بجسدي ببطئ عساه يفتح لي دون أن يصل صوتي مسامع الأم . ولكن أحدًا لم يفتح لي، فرددت على عقبي متقهقرًا ، واستجمعت نومي فنمت ، واتضح لى صباحًا أن الأسبوع قد إنتهى ، فما خرجت فرأيته حتى هممت عليه بكلي ، فأوقعته أرضًا ، وظللت أقبله وأحتضنه كما لو كنت لم أره من سنين .
ومن هذه الليلة لما إفترقنا أبدًا ،بقينا معًا..
وفي ليلة كان الشتاء فيها قارس ، شلت برودته الأنامل ، خرجت الأم لتأتي ببعض الحاجيات التي يتطلبها المنزل ، وتركتني وهو وحدنا فيه ، كنت بجانبه نلعب حينًا ويبلغ السقيع رؤوسنا فنتدفأ حينًا .. حتى شعرت به يهم خارجًآ من الغرفة متجهًا صوب المطبخ ، فجريت خلفه ، أخذ يعبث في خزانة الطعام تارة قد جلب منها بعضه ، وفي موقد النار تارة أخرى ، علمت بعدها أنه جائع، كان الأم دائمًا تجلب الأشياء من الخزانة و تشعل الموقد عندما يحين وقت الطعام ، ولكني قد سمعتها مرارًا تنهاه عن العبث بالموقد ، فوقفت بين قدميه أنبح فيه ، مثبتًآ أقدامي على الأرض الصامتة من تحتي ، مانعًا إياه من إكمال ما بدأه ، منبهًا إياه لما العجلة في غضون دقائق ستعود الأم وتفعل لك كل ما طاب .. أنبح مذكرًا بتحذير الأم ، ولكنه لم ينصت ، أخذ يعبث كثيرًا في الموقد ، لم أعلم ماهية مايفعله ، ولكن ماهي ألا دقائق وعاد معي إلي االداخل خالي الوفاض ، فلم تنجح مساعيه لإتمام الطعام على طريقة أمه .. فإرتاح قلبي قليلًا .. وما أن دخلنا حتى نمت بجانب سريره بعد يوم بارد صعيب ... ولم أصحو إلى على صوت سعاله في المطبخ وقد إشتد بعد أن بلغ الغاز مكامن رئتيه ، رأيته يسعل بشدة وعينيه تزداد إحمرارًا .. وقد شعرت أنا هكذا إحساس ، فناديت عليه قليلًآ نابحًا ، فلم يستجيب .. أخذت أشده و أعض على ملابسه ، أنفضه برأسي حتى يستيقظ ، كادت قواي أن تخور أنا الآخر .. فخرجت من المطبخ وأنا أنبح ، حاولت فتح الباب بكل الطرق ولكني فشلت ، ظللت أنبح كثيرًا ، مستغيثًا هل من مغيث؟ ، وأماه أين أنتِ ؟ خار صوتي قليلًا قليلًآ حتى إختفى ، ومارأيتني إلا ورأسي تصتدم بالأرض من تحتي .

تعليقات
إرسال تعليق