الخذلان



اجتمع الناس حولها من كل صوب تستر ماتبقى لها من لحم، أطلق القمر ظلال الرجال على جسدها المجروح حاجبًا عن أعينهم ملامحه.
عقلها غائب واقف عن العمل،ذاكرتها مشوشة، تتمنى لو أنها أخطبوط بثمانية أذرع تطلقهم على ملابسها المهترئة فتحتشم وتتعفف عن نظرات العوام.


شاب في مقتبل ربيعه العشرين قد أشهر قمرة هاتفه في تلصص خشية لفت إنتباه المجتمعين. ورجل قد إنتهى شبابه أطلق عينيه متفحصًا جسدها بإختلاس. ورجل قد إقتحم بنيان المتفرجين مذعورًا، قد هدأت حدة روعه عندما إقترب ناظره من وجهها فأيقن أنها غريبة بعد أن تراءى إليه أنها إبنته فعاد متسربًا بين الصفوف حتى خرج منها كما دخل.


وإمرأة قد حملت رضيعتها ذات الشهور تشاهد في صمت، فكرت مرة أن تخلع شالها فتستر به الفتاة ولكنها خشت أن تبرد رضيعتها فلا تجد لها ما يدفئها. وشاب آخر في آواخر العشرينيات شاهد الجمع من بعيد فحاول أن يقترب فيعلم ما المصيبة الجديدة التي جعلت هذا الجمع المبارك مشدوها بتلك الدرجة، إنها فتاة تمزقت سرابيلها فمنحت المكلومين من العوام مشهدًا قد حرموا منه وجرح جسدها فأطلق دمًا غطى مابقى سليمًا من ملابسها، كيف لهذه البشر أن يقفوا أمام موقف كهذا، تردد الشاب قليلًا بين أن يدخل ويكون هو الشجاع المغوار بين جمع المتخاذلين الأنذال، أو يعود أدراجه فهو أيًا كان لا يدري مالذي يفعله لها، لايدري مالذي فعل بها هكذا، ربما زوجها بالجوار، ربما أبيها واقف، حتى لبى نداء عدم الإكتراث وآثر السلامة فرحل.
وهذه المرأة قد راقبت منذ البداية، فؤادها يحترق، تغالب نفسها على الذهاب إلى الفتاه لتساعدها إلّا إنها خشت غضب زوجها منها، فعندما رآها تهم بالذهاب إليها في بادئ الأمر نغزها وتوعدها، فأناخت لنظرته المهددة وبقت من تعداد المتفرجين.
الفتاة لا تعلم ما الذي حلّ بها، وكذلك العيون من حولها لاتدري كيف آلت الظروف بالفتاة إلى هذا الوضع. لم يخرج منهم مشفق منقذ إلا بعد أن شبعت الأنظار من التحديق والتفرس.
صاحب متجر الجرائد شاهد الواقعة منذ نشأتها، يميل بعدساته على الصحيفة يتفحصها، يقرأ عمودًا تلو الآخر عاذلًا نفسه عن الأرض وناسها. يرفع صوت تلفازه الهلِك كلما ارتفعت أصوات الجمع الهالك، ينفض الجمع بعد وقت ليس بقصير، يغلق دكانه ويعود إلى بيته ساحبًا أذيال وزره خلف ظهره. ولا أحد يعلم ماحل بالفتاة.

تعليقات

المشاركات الشائعة